TASYBIH

التشبيه

أ. المقدمة

الحمد لله رب العالمين, خالق العالم و ما فيها. الصلاة و السلام على رسوله الأمين، أفصح و أفضل من تكلم باللسان العربى. و بعد.

إن الناس في التعبير عن أفكارهم بالألفاظ و الكلمات لا يتبعون خطة واحدة و لا منهجا محددا، بل يختلف بعضهم بعضا. فمنهم من يعبر ما في ذهنه بالحقيقة، فيقول " فلان شجاع، أو فلانة جميلة " أو التعبير عنه بالصورة، فيقول مثلا " فلان كا لأسد فى الشجاعة، أو فلان أسد، أو فلانة كا لوردة في الجمال". فالتعبير الثانى الذى وضع الرجل الشجاع في صورة الأسد، و المرأة الجميلة في صورة الوردة ، يسمى هذ التعبير بالتشبيه.

ب. البحث

1. تعريف التشبيه

التشبيه لغة التمثيل، يقال : هذا شبه هذا و مثيله، و شبهت الشيء بالشيء أقمته مقامه لما بينهما من الصفة المشتركة.

و التشبيه إصطلاحا : إلحاق أمر ( المشبه ) بأمر ( المشبه به ) في معنى مشترك ( وجه الشبه ) بأداة ( الكاف و كأن و ما في معناهما ) لغرض.[1]

أما التشبيه عند الاستاذ محمد غفران زين العالم هو فن تصويري يقصد به البيان و تقريب الشيء إلى الأفهام، و هو عبارة عن بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر بأداة هي، الكاف أو غيرها ملفوظة أو ملحوظة.[2]

2. أركان التشبيه

مما سبق نعلم أن أركانه أربعة : مشبه و مشبه به، و يسميان بالطرفين، و وجه شبه، و أداة التشبيه.[3] المثال من التشبيه " أَنْتَ كَا الأَسَدِ فِى الشَّجَاعَةِ ". فالمشبه هو " أنت "، و المشبه به " الأسد "، أما " كا" يسمى بأداة، و " الشجاعة " يسمى بوجه الشبه.

3. فائدة التشبيه

أما فائدة التشبيه هى : إيضاح المعنى المقصود مع الايجاز و الاختصار، ألا ترى أنك إذا قلت : علي كالأسد، كان الغرض أن تبين حال علي، و أنه متصف بقوة البطش و شدة المراس و عظيم الشجاعة ، و ما الى ذلك من أوصاف الأسد البادية للعيون.[4]

4. طرفاالتشبيه.

ينقسم الطرفان الى حسيين و عقليين و مختلفين، و إلى مفردين و مركبين و مختلفين، فالحسيان ما يدركان هما أو ما دتهما أى أجزاؤهما بإحدى الحواس الخمس الظاهرة، و بهذا التفسير دخل فى الحسي شيئان: [5]

1. ما كان للطرفان فيه مشتركين، إما فى صفة مبصرة كتشبيه الحور الحسان بالياقوة و المرجان فى قوله تعالى :" كَأَنَّهُنَّ اليَاقُوْتُ وَ المَرْجَان". أو فى صفة مسموعة كتشبيه الصوت الحسن بالموسيقي، و الأسلحة فى وقعها بالصواعق، و الأصوات غير مفهومة بأصوات الفراريج، فى قول عباس بن سلمة يذم بنى دالان:" كأن بنى دالان إذا جاء جمعهم # فراريج يلقي بينهن سويق. أو فى صفة مذوقة، كتشبيه الفواكه الحلوة بالعسل، و البرقوق بالكرز، و الريق بالخمر، فى قول امرىء القيس : " كأن المدام و صوب الغمام # و ريح الخزامى و نشر القطر يعل به برد أنيابها # إذا طرب الطائر المستجر. أو فى الصفة المشمومة كتشبيه رائحة الرياحين المجتمع بالغالية، و النكهة بريح العنبر. أو فى الصفة الملموسة، كما يشبه الجسم بالحرير فى النعومة، كقول ذى الرمة : " لها بشر مثل الحرير و منطق # رخيم الحواشي لا هراء و لا نزر.

2. الخيالى و هو المعدوم الذى يفرض مجتمعا من أمور عدة، كل منهما مدرك بالحس، كقوله أبي الغنائم المحصي: خود كأن بنانها # فى حضرة النقش المزرد سمك من البلور فى شبك تكون من زبرجد.

و العقليان ما لم يدركا، هما و لا ما دتهما بإحدى الحواس، كتشبيههم الضلال عن الحق بالعمى، و العلم بالحياة، و بهذا التفسير دخل فى العقلى :

1. الوهمى، و هو ما ليس مدركا بإحدى الحواس، لكنه لو أدرك لكان مدركا بها، كرؤوس الشياطين، و أنياب الأغوال، فى قوله تعالى : " طلعها كأنه رؤوس الشياطين". فإنها لا تدركا بالحس لعدم و جودها، لكن لو أدركت لم تدرك إلا بحاسة البصر.

2. الوجدانى، كتشبيه الجوع بالنار، و العطش باللهب و تسعر النار.

و المختلفتان إما بأن يكون المشبه عقليا و المشبه به حسيا، كما يشبه العدل بالقطاس، و الرأى بسواد الليل فى قوله : " الرأى كا لليل مسود جوانبه # و الليل لا ينجلى إلا بإصباح". أو بالعكس بتقدير المعقول كأنه محسوس و يجعل كالأصل لذلك المحسوس مبالغة، و يكون حينئذ من التشبيه المقلوب كما فى تشبيه العطر بحسن الخلق فى قوله الصاحب بن عباد: أهديت عطرا مثل طيب ثناثه # فكأنما أهدى له أخلاقه

5. وجه الشبه.

ينقسم الوجه الى عدة أقسام:[6]

1. تحقيقي و تخييلي

التحقيقي ما كان متقررا في الطرفين على وجه التحقيق، كقوله تعالى: " وَ لَهُ الجَوَري المُنْشَئَاتُ فِى البَحْرِ كَالأَعْلاَمُ ". و التخييلي ما لا يكون وجوده في أحد الطرفين ألا على ضرب من التأويل، المثال: " صدع الحبيب و حالي، كلاهما كالليالي.

2. واحد و مركب من متعدد منزل منزلة الواحد.

6. أدوات التشبيه.

أدوات التشبيه هى : الكاف، و كأن، و مثل، و ما يفيد معنى المماثلة و المشابهة، نحو: " فجعلهم كأصف مأكول". و يفرق بين الكلف و كأن بوجوه:[7]

1. أن الكاف يليها المشبه به، و كأن يليها المشبه، المثال: " الحليم كالجبل في سكونه". " كأنك سبحان فصاحة".

2. أن الكاف تدل دائما على التشبيه، و كأن تفيد التشبيه، كان خبرها جامدا أو مؤولا به، المثال: " و كأن دجلة إذا تلاطم موجها # ملك يعظم خليفة و يبخل.

3. التشبيه بكأن أبلغ من التشبيه بالكاف، لما فيه من اللتوكيد لتركبها و قد ينوب عن الأداة و يغني عنها فعل من أفعال اليقين أو الرجحان كعلم و حسب و يكون منبءا عن حال التشبيه في القرب أو البعد. المثال : " قوم إذا لبسوا الدروع حسيتها # سجا مزردة على أقمار".

7. أقسام التشبيه

أ. ينقسم التشبيه بإعتبار حذف بعض الأركان إلى خمسة أقسام :

1. التشبيه المرسل، هو ما ذكرت فيه الأداة.

المثال : أَنْتَ كَاللَّيْثِ فِى الشَّجَاعَةِ وَ الإِقْدَامِ.

2. التشبيه المؤكد، هو ما خذفت منه الأداة.

المثال : أَنْتَ نَجْمٌ فِى رِفْعَةٍ وَ ضِيَاءِ.

3. التشبيه المجمل، هو ما حذف منه وجه الشبه.

المثال : كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُوْنٌ.

4. التشبيه البليغ، هو ما حذف منه الوجه و الأداة معا.

المثال : رَكِبُوْا الدَّيَاجِىَ وَ السُّرُوْجُ أَهِلَّةٌ وَهُمْ بُدُوْرٌ وَ الأَسِنَّةُ أَنْجُمُ.

5. التشبيه المفصل، هو ما حذفت الأداة و ذكر فيه وجه الشبه.

المثال : العَالِمُ سِرَاجُ أُمَّتِهِ فِى الهِدَايَةِ وَ تَبْدِيْلِ الظَّلاَمِ.[8]

ب. ينقسم التشبيه بإعتبار طرفيه إلى خمسة أقسام :

1. قد يكون كل من طرفيه مفردا و يسمى تشبيها مفردا.

المثال : وَ هِىَ تَجْرِى بِهِمْ فِى مَوْجٍ كَالْجِبَالِ.

2. قد يكون المشبه متعددا و المشبه به مفردا، و عند ئذ يسمى تشبيه التسوية.

المثال : وَ ثَغْرُهُ فِى صَفَاءِ وَ أَدْمُعِى كَا للآلِى.

3. قد يكون المشبه مفردا و المشبه به متعددا، و يطلق على هذا اسم تشبيه الجمع.

المثال : وَ سُهَيْلٍ كَوَجْنَةِ الحِبِّ فِى اللَّوْنِ وَ قَلْبِ المُحِبِّ فِى الخَفَقَانِ.

4. قد يكون كل من طرفيه متعددا و يسمى تشبيها متعددا.

المثال : لَيْلٌ وَ بَدْرٌ وَ غُصْنٌ # شَعْرٌ وَ وَجْهٌ وَ قَدٌّ.

5. قد يكون المشبه مركبا و المشبه به مثله، و يسمى تشبيها مركبا.

المثال : كَأَنَّ مُثَارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُؤُوْسِنَا # وَ أَسْيَافَنَا لَيْلٌ تَهَاوَى كَوَاكِبُهُ.[9]

ج. التشبيه باعتبار الطرفين إلى ملفوف و مفروق.

1. أن يؤتي بالمشبهات أولا على طريق العطف أو غيرها ثم يؤتي بالمشبهات بها كذلك، و يسمى حينئذ تشبيها ملفوفا، كقول امريء القيسيصف عقابا بكثرة اصطياد الطيور:

" كأن قلوب الطير رطبا و يابسا # و لدى و كرها العناب و الحشف البالي".

2. أن يؤتي بمشبه و مشبه به، ثم بآخر و آخر، و يسمى تشبيها مفروقا، كقول ابن سكرة: " الخد ورد و الصدغ غالية # و الريق خمر و الثغر كالدر.[10]

د. ينقسم التشبيه بإعتبار وجه الشبه إلى التمثيل و غير التمثيل :

1. ما كان وجه الشبه مفردا.

المثال : وَ لَهُ الجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِى البَحْرِ كَا لأَعْلاَمِ.

2. ما كان وجه الشبه فيه صورة منتزعة من عدة أمور قد تضامت ة تلاءمت فأصبحت شيئا واحدا. يسمى التشبيه الذى كان وجهه منتزعا من متعددة تشبيه تمثيل.

المثال : مَثَلُ الَّذِيْنَ حًمِّلُوْا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوْهَا كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا.[11]

ه. التشبيه الضمنى

التشبيه الضمنى هو تشبيه لا يوضع فيه المشبه و المشبه به فى صورة من صورها المعروفة بل يلمحان فى التركيب، و هو النوع يؤتى به ليفيد أن الحكم الذى أسند إلى المشبه ممكن.

المثال : تَرْجُوا لنَّجَاةَ وَ لَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا # إِنَّ السَّفِيْنَةَ لاَ تَجْرِى عَلَى الْيَبَسِ.[12]

و. التشبيه المقلوب

التشبيه المقلوب هو جعل المشبه مشبها به بادعاء أن وجه الشبه فيه أقوى و أظهر.

المثال : و بَدا الصَّبَاحُ كَأَنَّ غُرَّتَهُ وَجْهُ الْخَلِيْفَةُ حِيْنَ يمتحد.

ز. تقسيم التشبيه باعتبار الوجه الى قريب مبتذل و بعيد غريب.

فا لقريب المبتذل هو ما ينتقل فيه المشبه الى المشبه به من غير تدقيق لظهور وجه الشبه بادىء ذى بدء، فيسهل تداوله بين العامة و الخاصة. أما البعيد الغريب ما يحتاج فى الإنتقال من المشبه إلى المشبه به الى فكر و دقة نظر، لخفاء وجهه.[13]

8. الفرق بين التشبيه و التمثيل.

التشبيه أعم من التنثيل، فكل تمثيل تشبيه دون عكس إذ التمثيل مختص بما كان وجه الشبه فيه منتزعا من متعدد.[14]

و للتمثيل موقعان :

1. أن يكون في مفتتح الكلام فيكون قياسا موضحا و برهانا مصابحا، المثال : "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة".

2. ما يحيء بعد تمام المعانى لإيضاحها و تقريرها ف يشبه البرهان الذي تثبت به الدعوى، كقول أبى العتاهية : ترجو النجاة و لم تسلك مسالكها # إن السفينة لا تجرى على اليبس.

9. أغراض التشبيه

للتشبيه أغراض كثيرة منها :[15]

1. بيان حال المشبه.

المثال : إِذَا قَامَتْ لِحَاجَتِهَا تَثَنَّتْ # كَأَنَّ عِظَامَهَا مِنْ خَيْزُرَانِ

2. بيان مقدار حال المشبه.

المثال : كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جَارَتِهَا # مَرُّ السَّحَابِ لاَ رَيْثٌ وَ لاَ عَجَلُ

3. الاستطراف و إثارة شعور الاستحسان فى النفس.

المثال : وَ تَرَى أَنَامِلَهَا عَلَى مِزْمَارِهَا # كَخَنَافِسٍ دَبَّتْ عَلَى أَوْتَارِ.

4. تقرير حال المشبه و تمكينها فى الأذهان.

المثال : إِنَّ القُلُوْبَ إِذَا تَنَافَرَ وُدُّهَا # مِثْلُ الزُّجَاجَةِ كَسْرُهَا لاَ يُجْبَرُ.

5. بيان إمكان وجود المشبه و حاله.

المثال : فَتًى عِيْشَ فِى مَعْرُوْفِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ # كَمَا كَانَ بَعْدَ السَّيْلِ مَجْرَاهُ مَرْتَعَا.

6. استحسان الفبيح.

المثال : خَبِّرِيْنِى مَاذَا كَرِهْتِ مِنَ الشَّيْبِ # فَلاَ عِلْمَ لِى بِذَنْبِ المَشِيْبِ

أَضِيَاءُ النَّهَارِ أَمْ وَضَحُ اللُّؤْلُؤِ أَمْ كَوْنُهُ كَثَغْرِ الحَبِيْبِ.

7. استقباح الحسن.

المثال : كَأَنَّهُ سَرْمُ بَغْلٍ حِيْنَ يُخْرِجُهُ # عِنْدَ الرِّيَاثِ وَ بَاقِى الرَّوْثِ فِى وَسَطِهِ.

ج. الخاتمة

التشبيه هو عبارة عن بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر بأداة. و له أركان، هي المشبه و المشبه به و الأداة و وجه الشبه. و لا يلزم فى التشبيه أن تكون أركانه كاملة، ففي حين حذف بعض أركانه، و تارة تكمل أركانه. و انقسم التشبيه ألى عدة أنواع حسب إرادة الناس حتى تصل إلى غايته و هدفه من نفسه و مشاعره.

د. مصادر البحث

القرآن الكريم

زين العالم، محمد، غفران. في علم البيان.فونوروكو: دار السلام.

المراغي، أحمد، مصطفي. علوم البلاغة. بيروت: دار الكتب العلمية، 1993.

على الجامر، مصطفى أمين. البلاغة الواضحة. دار المعارف،1977

---

[1] أحمد مصطفى المراغي، علوم البلاغة، ( دار الكتب العلمية، بيروت) 1993 ص. 213

[2] الأستاذ محمد غفران زين العالم، البلاغة في علم البيان، ( دار السلام، فونوروكو ) ص. 25

[3] نفس المرجع، ص. 26

[4] أحمد مصطفى المراغي، المرجع السابق.

[5] نفس المرجع، ص. 214 - 216

[6] نفس المرجع، ص. 221

[7] نفس المرجع، ص. 232

[8] على الجامر و مصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ( دار المعارف ) ص.25

[9] الأستاذ محمد غفران زين العالم، المرجع السابق، ص. 32

[10] أحمد مصطفى المراغى، المرجع السابق، ص. 219

[11] الأستاذ محمد غفران زين العالم، الورجع السابق، ص. 36 - 38

[12] نفس المرجع، ص.40

[13] أحمد مصطفى المراغى، المرجع السابق، ص. 229

[14] نفس المرجع، ص.

[15] الأستاذ محمد غفران زين العالم، الورجع السابق، ص. 45